الثلاثاء، 23 يونيو 2009

ايران وضغوط الخارج مجدداً


ايران وضغوط الخارج مجدداً

__________________

علي عبادي / صحافي لبناني


هدأت الامور الى حد كبير في طهران ، بعد ايام من الاحتجاجات التي ترافقت احياناً مع اعمال شغب ، لتتصاعد ضغوط الدول الاوروبية على الجمهورية الاسلامية ، في محاولة لاستثمار "الهزة الداخلية" التي اعقبت انتخاباتها الرئاسية لحملها على الانحناء او قل لإعادة تزخيم التحرك الداخلي المضاد (الذي للأسف يركز على مخاطبة الخارج طالباً منه المعونة والمساندة بدلاً من ان يقنع الداخل بعدالة قضيته والانضمام اليه في هذا المسار) .

ليس لنا ان نعلق كثيرا على خلافات الايرانيين ، كما لا نقبل ان يتدخل الآخرون في قضايانا القُطرية او الوطنية الخاصة اذا كانت لا توافق مزاجنا ، وعليه فان مقالتي ستأخذ منحى التعليق على ما نراه تدخلاً فظاً من الغرب على الانتخابات التي يُفترض انها ستـُنتج رئيساً للدولة الايرانية وليس رئيساً للعالم او امينا عاما للامم المتحدة حتى يكون لدول الاتحاد الاوروبي بشرقيها وغربيها ان تدلي كل يوم بتعليق على ما يجري طهران .

انتهت الانتخابات الايرانية ، وصدرت النتيجة رسمياً وتقدم المرشحون الخاسرون بطعون ، والجهة المخولة النظر بالطعون والتي احتكم اليها المرشحون عن قناعة او عن اضطرار حكمت بأن حجم المخالفات التي سجلها المرشحون لن تؤثر في فارق الاصوات الذي حصل عليه الرئيس احمدي نجاد . القضية اذن بُتّ فيها من الناحية القانونية ، سواء رضي المحتكمون الى المرجعية الدستورية او لا .

من الخارج ، يصر الغرب على التشكيك في نتائج الانتخابات في الوقت الذي يعبر عن "حترامه لسيادة ايران الكاملة " ، كما قالت رئاسة الاتحاد الاوروبي . نحن في حيرة من امرنا ، هل نصدق ما نسمع من خطاب مهذب ، ام ما نرى من سلوك دبلوماسي تخلى عن الكياسة ليكرس تعاملاً فوقياً ؟ هل يستطيع الغرب ان يتخلى لبعض الوقت عن دور الاستاذ الذي يمتلك عصا غليظة وهو يخاطب تلميذه ، ام انه لا يستطيع ان ينسلخ من جلده وهو يتعامل مع الدول الواقعة خارج عالمه الخاص ؟

ثمة اسئلة اكثر عمقاً : هل الغرب يريد الديمقراطية ان تنمو وتتفتح في بلادنا عندما يُطرب شعوبنا ببيانات وتعليقات تمطر سماءنا وارضنا ؟ الجواب في رأينا: لا ، وقد اعترف اوباما متأخراً اكثر من نصف قرن ان الاستخبارات الاميركية أطاحت بزعيم ايراني منتخب ديمقراطياً (رئيس وزراء ايران محمد مصدق ) لمصلحة ديكتاتور تسيّره الادارة الاميركية . واميركا لم تثبيت مذذاك انها تغيرت.

هل تريد دول الغرب التعبير عن قيمها وحسب لتـَعرضَ معايير علينا وتترك لنا من ثم حرية الاختيار عن اقتناع ورغبة ؟ الجواب في رأينا: لا ، وهي التي تستخدم لغة العقوبات والتحشيد في وجه اي قوى او دول مستقلة تخرج عن طوعها، وفي المقابل تتعامل مع حكومات مستبدة ثبت مفاسدها وتوريثها للعروش وتبديدها لاموال شعوبها وارتكابها جرائم وموبقات الا انها- اي هذه الحكومات- تحرص على تقديم العروض السخية لدول الحماية الخارجية وتلتزم الحدود التي ترسمها هذه الدول لها .

هل للغرب - وقد أعيته لغة العقوبات التي يستخدمها واستنزفته لغة الحروب هنا وهناك - مصلحة في إضعاف النظام في ايران الذي يسير في نهج يتعارض مع نفوذ ومصالح الغرب ؟ الجواب : نعم ، وتصريحات زعماء الغرب متمادية عن إضرار ايران بمسيرة السلام في الشرق الاوسط التي تفضي الى تكريس الاعتراف باسرائيل وصولاً الى تهديدها امن اسرائيل ، وكذلك محاولتها – اي ايران- القيام ببرنامج نووي مستقل من ألفه الى يائه مما قد يخل ب"التوازن الاستراتيجي" في المنطقة الذي تتحكم به اسرائيل .

هل يتضرر الغرب الاميركي والاوروبي من استقرار ايران وتماسكها خلف قيادتها التي تتحدى جبروته وتخرج عن طوعه ؟ الجواب : نعم ، ولا اعتقدُ اننا في حاجة الى كثير من الاقتباس والاجتهاد لاستخلاص حقيقة ان القلعة الايرانية تبدو صعبة المراس ، واذا هلّت فرصة لاقتناص ثغرة في الداخل وتوسيعها بأي طريق ممكن فأهلاً ومرحباً !

ليس صحيحاً ان باراك اوباما يؤثر لغة الحوار مع الجمهورية الاسلامية وان هذا سبب اتباعه لغة "مهذبة" في التعامل مع التطورات الداخلية في ايران . فقد اوضح الرئيس الاميركي رداً على من انتقده في هذا الشأن ان تدخله المباشر سيؤدي الى اضعاف الفريق الذي يسعى للتغيير في هذا البلد لأنه سيعطي فكرة خاطئة لعموم الايرانيين ويحملهم - بدافع من وطنيتهم - على عزل هذا الفريق والوقوف خلف النظام القائم . وقد تلقى نصائح بهذا الشأن من باحثين ومعارضين ايرانيين في الولايات المتحدة يعرفون طينة شعبهم . وهناك نقطة اخرى أبعد مدى وهي ان اوباما ليس متأكداً من صلابة الفريق الذي ينشد التغيير وقدرته على تحقيق ما يريد ، ولهذا فضّل الى الامس الاعراب عن "القلق العميق" موجهاً تأنيباً ومواعظ للحكومة الايرانية في طريقة التعامل مع التظاهرات .

أما وقد لجمت الحكومة الايرانية مسار "الانقلاب المخملي" الذي تعتبر انه يهدف للاستعانة بالشارع لقلب نتائج صناديق الاقتراع ، فقد بدا لأوباما ان يغير لهجته ليعيد طرق ابواب ايران بلغة اكثر شدة نسبياً ، علّ ذلك بمساندة الهجوم الدبلوماسي الاوروبي (براون يطرد اثنين من الدبلوماسيين الايرانيين وحكومات اوروبية تستدعي تباعاً السفراء الايرانيين لديها) يفلح في اعادة تحريك الشارع الايراني ضد حكومته والنظام الاسلامي .

إنها حرب تشكيك بشرعية النظام الاسلامي في ايران وتشكيك في قدرته على الصمود والاستمرار ، تُستخدم فيها المدفعية الدبلوماسية والاعلامية المركزة على مدار الساعة وبشكل هستيري لا يوصف ، كيف لا والبيت الابيض يرى "بدايات تغيير" في هذا البلد ، كما قال المتحدث باسمه روبرت غيبس، وهو الآن ينتهز مع حلفائه الفرصة لتقويض اسس النظام بهدف جلبه "مخفوراً خائراً" الى الحوار المنشود . أليست الدبلوماسية شكل من اشكال الحرب ، والإعلام من "تويتر" الى "فايسبوك" و"غوغل" و"سي ان ان" و"بي بي سي" وأخواتها أدوات فعالة في خضمها ؟!

علي عبادي / صحافي لبناني

ليست هناك تعليقات: