الأربعاء، 18 نوفمبر 2009

نصر الله ومخاطبة العدو - بقلم بحراني




سمكة نصرالله!
في إطلالته الأخيرة، تطرّق السيد حسن نصرالله إلى أهم قضايا المنطقة الكبرى، ووضع النقاط على كثيرٍ من الحروف، وحظي بتغطية واسعة من وسائل الإعلام الاسرائيلية رغم الحظر الذي فرض على خطاباته بعد حرب تموز.

الطرفان (حزب الله و «إسرائيل») يتعاملان كعدوين وندّين، مع الفارق الكبير جدا بينهما في القدرات العسكرية والأمنية والاقتصادية والبشرية. فالطرف الأول حركة مقاومة شعبية استطاعت ببضعة آلاف من المقاتلين، أن تحرّر أرضها وتطرد عدوها بعد عشرين عاما من الاحتلال. أما الطرف الثاني فدولةٌ عمرها ستون عاما، تدعمها الدول الكبرى ذات الإرث الاستعماري القديم. وهي دولةٌ مدجّجةٌ في السلاح التقليدي والنووي حتى شحمة أذنيها، وتمتلك جيشا مدربا بكفاءة عالية، وقوى استخباراتية توزّع ضرباتها الأمنية في العواصم بمختلف القارات.

بعد الخطاب الأخير، كشفت صحيفة «يديعوت احرونوت» وثيقة توضح تمكن حزب الله من جمع «معلومات مذهلة» عن الجيش الاسرائيلي. هذا الاختراق علّق عليه ضابطٌ بالقيادة الشمالية بقوله: «حين قرأت ذلك صُعقت»، بينما علق مذيعٌ إسرائيلي قائلا: «هذا مرعبٌ جدا، وعندما قرأت ذلك صباحا اقشعر بدني لدقة التفاصيل التي يمتلكونها. هذا أمرٌ مخيف».

إنها حربٌ إعلاميةٌ استخباراتيةٌ شرسةٌ بين عدوين خبرا بعضهما جيدا في الميدان. قبل ثلاثة أشهر، تم الإيقاع بعدة شبكات تجسسية إسرائيلية، ووقع عشرات العملاء في قبضة الأمن اللبناني. وقبل عشرة أيام قامت «إسرائيل» بتدمير أجهزة تجسّس لها على الأرض اللبنانية بعد انكشافها، وأعلنت أنها ستواصل التجسس على لبنان. بالمقابل، تتحدّث الصحف الصهيونية اليوم عن ذهولها لمدى إلمام حزب الله بمنظومات الرصد بما فيها الطائرات دون طيار، التي كانوا يعتقدون أنها تعمل بسرية تامة، إلى جانب معلومات عن التكنولوجيا المستخدمة في السياج الحدودي وتكتيكات جيش العدو وتحركاته وتسيير دورياته. وهو ما جعلهم يعتقدون أن الحزب اخترق شبكة اتصال الجيش حتى المشفّرة منها، إما عبر جواسيس داخله، أو عبر رجاله الذين عبروا الحدود واستطاعوا نسخ وثائق سرية جدا، صفحة صفحة!

الحزب في معركته الإعلامية، استطاع أن يوظّف ما يطرحه الإعلام الصهيوني، بتوجيه رسائل ومواد تهدف إلى مخاطبة الرأي العام وراء خطوط العدو. فالحرب الحديثة ليست مجرد صواريخ وقذائف، وإنّما رسائل علمية مدروسة جيدا، تزعزع النفوس وتضعضع الصفوف قبل وأثناء وبعد الحرب. ولعل من نتائجها أن يقر رئيس مجلس الأمن القومي السابق غيورا ايلند بأنَّ «إسرائيل» ستفشل في أية حرب مقبلة، لأن قدرات الطرفين تتطوّر بشكلٍ متوازٍ، وهو ما نقله إعلام المقاومة وأخذ يكرّره عن التلفزيون الإسرائيلي طوال اليومين الماضيين.

لعل أطرف فصول الحرب الطاحنة بين الطرفين، قصة تلك السمكة الجميلة التي أسماها الإسرائيليون «سمكة نصرالله»، فتناولها السيّد بنفسه في خطابه الأخير. وبسببها استشهد المعلقون الصهاينة، على مدى إلمام نصرالله بالوضع الإسرائيلي. بل إن أحدهم قال إن «نصرالله يقرأ كل صحفنا ويقرأ جميع المعلومات ويحفظها عن ظهر قلب! وهو الزعيم العربي الوحيد الذي ينتبه لما يجري داخل إسرائيل»!

عندما يخطب نصرالله، فإنه يعلم جيدا أنه لا يخاطب ثلثي الشعب اللبناني فحسب، وإنّما هناك عشرات الملايين من عشاق الكرامة سيتسمرون حول الشاشات في مختلف العواصم العربية، من طنجة إلى مسقط... إضافة إلى أعضاء حكومةٍ كاملةٍ، وأركان جيش ومخابرات، وأربعة ملايين إسرائيلي على الحدود الجنوبية للبنان





قاسم حسين
العدد : 2627 الأحد 15 نوفمبر 2009م الموافق 28 ذي القعدة 1430 هـ

ليست هناك تعليقات: