الجمعة، 20 نوفمبر 2009

«انتصار الحركة الإسلامية؟ حرب لبنان الثانية وانعكاساتها»...


آخر إصدارات «معهد واشنطن»
«حزب الله» في مرمى سهام... نوريل

ماغنوس نوريل

كتب حاتم الزين
صدرت عن «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» دراسة بعنوان «انتصار الحركة الإسلامية؟ حرب لبنان الثانية وانعكاساتها». الدراسة التي أعدها ماغنوس نوريل، وهو باحث أقدم في وكالة أبحاث الدفاع السويدية في استوكهولم وزميل مشارك في المعهد، تبحث سلسلة طويلة من الإخفاقات التي عانى منها المجتمع الدولي في لبنان في الفترة بين الانسحاب الإسرائيلي في مايو 2000 وحرب عام 2006 مع (حزب الله)، وهي الإخفاقات التي نجمت بصفة أساسية عن عدم القدرة على مواجهة القضايا الفعلية المسببة للإنقسامات في لبنان. إن تلك المشاكل قد أدت مراراً إلى وقوع أزمات جديدة وهي تشكل خطراً على المنطقة بأسرها».»
ويشير نوريل إلى أنه «لم يعد الصراع بين لبنان وإسرائيل نزاعاً بين دولتين. فمنذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان التي دامت خمسة عشر عاماً، لا يزال (حزب الله) قوياً بما فيه الكفاية لجر البلاد إلى حرب ضد إرادة الحكومة السيادية. وجنباً إلى جنب مع عملياته العسكرية، قدم (حزب الله) خدمات قانونية واجتماعية وسياسية لكثير من اللبنانيين. وبالتالي، فإن (حزب الله) قادر على إبقاء صراعه مع إسرائيل متقداً، مما يجعل أي محاولة للوصول إلى حل سلمي أمراً مستحيلاً».
وفي الوقت نفسه، تعمل سورية وإيران معاً على المستويين الإقليمي والدولي من أجل التدخل في المبادرات المختلفة الرامية إلى تعزيز الحكومة اللبنانية. ويشكل هذا الوضع إحراجاً للمجتمع الدولي. وفي ظل التهديدات الموجهة من دمشق وطهران، سمحت الأمم المتحدة، وكذلك الاتحاد الأوروبي إلى حد ما، بأن يتعرضا للابتزاز. ويوضح أن أفضل مثال على هذا الاتجاه هو (قوات الأمم المتحدة الموقتة في لبنان) (اليونيفيل)، الذي أُفترض بأن وجودها في جنوب البلاد قد تم دعمه عند الموافقة على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 في وقت قريب من نهاية حرب عام 2006. وبعد ذلك بفترة وجيزة، أوضحت سورية أن أي محاولة لمراقبة الحدود اللبنانية السورية التي هي المعبر الرئيسي لوصول الأسلحة من إيران إلى (حزب الله) ستُعتبر عملاً عدائياً وستواجَه باستخدام القوة وبإغلاق الحدود. وقد أحدث ذلك التهديد تأثيره المنشود. فحتى قبل أن يجف الحبر الذي كُتب به قرار مجلس الأمن رقم 1701، أعلنت الأمم المتحدة أنها لا تنوي تسيير دوريات على الحدود التي كانت قد خُولت للسيطرة عليها».
ويقول: «اليوم، وبعد مرور أعوام ثلاثة على صدور قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي وسع من سلطة اليونيفيل وزاد حجمها من 2000 إلى 15000 فرد، لا تزال هذه القوة غير كاملة. إن التردد، في أخذ موضوع مواجهة المشاكل الرئيسية في لبنان والدول المجاورة له على محمل الجد، متأصل في الخوف من أن يؤدي ذلك إلى وضع الأمم المتحدة في صراع مع (حزب الله)، حتى إذا كان مثل هذا التحرك سيفيد الحكومة اللبنانية».
ويضيف: «في المقابل، تمكن (حزب الله) من تعزيز مركزه في جنوب لبنان، في الوقت الذي تم اتخاذ الحكومة رهينة لعملية (حوار وطني) غير فعالة. إن (حزب الله) ليس لديه مصلحة في إنهاء هذا الحوار؛ وبدلاً من ذلك، تضمن المناقشات المستمرة تأجيل مطالبات نزع التسلح إلى أجل غير مسمى وتسمح للحزب بإبقاء الصراع مع إسرائيل متقداً، مما يعيق من فعالية حدوث أي انفراجة في المفاوضات العربية الإسرائيلية. ومنذ أن دخلت الهدنة حيز التنفيذ في أغسطس 2006، تلقى (حزب الله) شحنات منتظمة من الأسلحة والأعتدة الأخرى من سورية، وذلك عبر الحدود نفسها التي تفادت الأمم المتحدة بصورة دقيقة عن مراقبتها.
ورغم أن الهدف المعلن لسلسلة طويلة من قرارات الأمم المتحدة السخية، كان تقديم المساعدة للحكومة اللبنانية، إلا أنها لم تصبح في النهاية أكثر من مجرد ثرثرة كلامية. والحقيقة المرة هي أنه عندما تواجه الأمم المتحدة احتمال نشوب صراع قد لا يمكن حله عن طريق الحوار وحده، فإنها تختار الرضوخ إلى (السياسات) التي تهدد باستخدام القوة. وبالنسبة إلى لبنان، يصل هذا الأمر إلى حد المأساة. فالبلاد ليست لديها أي فرصة لتعزيز هيكلها الديموقراطي الضعيف إذا تم السماح لـ (حزب الله) بالبقاء بصورة دولة ضمن دولة، مدعوماً بالميليشيا الخاصة به».

التداعيات على لبنان
ويتابع نوريل: «لا تزال آثار الانهيار السياسي الذي أعقب حرب عام 2006 قائمة في لبنان. ففي نوفمبر 2006، علّق (حزب الله) مشاركته في الحكومة اللبنانية، مما أصاب حكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة بالشلل. وعلى نحو متزامن، نصب الحزب معسكر خيام في وسط بيروت، مما أدى إلى حدوث توقف تام في الحركة التجارية المعتادة. وبعد ذلك فرض (حزب الله) ومؤيدوه حصاراً على البرلمان ومقر رئيس الوزراء، مما أدى إلى إضعاف الدولة على نحو أكبر. ورغم تلك الأفعال، واصلت حكومة السنيورة عملها، ولكن من دون مشاركة وزراء من الشيعة.
وفي ربيع عام 2008، تفاقمت الأزمة عندما طالبت الحكومة اللبنانية بإجراء تحقيق حول الكاميرات الأمنية التي نصبها (حزب الله) في مطار بيروت وحول شبكة اتصالاته السلكية واللاسلكية المستقلة. وقد تحولت التوترات إلى اندلاع أعمال عنف في مايو من ذلك العام، عندما استولى (حزب الله) على غرب بيروت بالقوة المسلحة. وقد توصلت الحكومة والمعارضة إلى اتفاق في الدوحة، لنزع فتيل الأزمة، وتشكلت حكومة ائتلافية شملت مرة أخرى وزراء من (حزب الله). وفي الواقع، عزز (اتفاق الدوحة) من موقف (حزب الله) في الحكومة، إذ زود المعارضة بـ (الثلث المعطل) من الوزراء ومنح (حزب الله) بصفة أساسية صلاحية استخدام الفيتو ضد جميع القرارات الحكومية».
ويبين نوريل أن «التأثير الواضح بشكل متزايد لـ (حزب الله) الذي يتمتع بنفوذ (صانع الملوك) في السياسة اللبنانية سمح له بتأكيد مطالبه من أجل إقامة مجتمع أكثر التزاماً بالإسلام وحرب دائمة ضد إسرائيل. ويعتمد نجاحه حتى الآن على اعتماد استراتيجية التكيف مع الهيكل السياسي المحلي، في الوقت الذي يحتفظ فيه على أهدافه الإقليمية طويلة الأجل».

التداعيات على سورية
ويلفت نوريل إلى أن «حرب عام 2006 منحت الرئيس السوري بشار الأسد فرصة لإظهار دولته كقوة إقليمية رائدة في الصراع الاستراتيجي الأوسع نطاقاً ضد إسرائيل. وبطبيعة الحال، لم يكن ذلك شيئاً جديداً، إذ يعود هذا الخطاب إلى تأسيس إسرائيل في عام 1948. ورغم ذلك، بثت حرب عام 2006 حيوية جديدة في هذا الخطاب وأتاحت للرئيس الأسد الإدعاء بأن انتصار (حزب الله) كان بداية جديدة على الطريق نحو النصر الكامل وتدمير إسرائيل. وبذلك، كان بوسع دمشق المطالبة بالحصول على تأثير أكبر في العمليات السياسية الأوسع نطاقاً التي بدأت نتيجة الحرب.
وقد أكدت الأزمات السياسية المتكررة في لبنان على أهمية البلاد في تسهيل دور سورية كلاعب إقليمي. فالنظام في دمشق يتمكن من التأثير على الوضع في المنطقة عن طريق لبنان، وباستطاعته تقويض أي اتفاق سلام مع إسرائيل إذا كان لا يرضي أيضاً مطلب سورية باسترداد مرتفعات الجولان. وعلاوة على ذلك، فمن خلال كون الأراضي السورية محطة لوصول جميع الدعم الإيراني لـ (حزب الله)، تتمتع سورية بسيطرة كبيرة على قدرة كل من إيران و(حزب الله) على العمل. ويتيح هذا الوضع لدمشق الحفاظ على خياراتها مفتوحة في حالة (قيام) مفاوضات جديدة ومباشرة مع إسرائيل. لقد اعتبر النظام السوري بأن نتيجة حرب عام 2006 كانت تأكيداً على نجاح نهجه السياسي».

التداعيات على إيران
وعن الدور الإيراني يقول نوريل: «أظهرت إيران أنها (ترغب) في تزويد (حزب الله) وغيره من الجهات الفاعلة من غير الدول بمواد متطورة للغاية. ومن أمثلة ذلك صاروخ سي ثمانمئة واثنين الذي استخدم في الإغراق شبه التام لسفينة إسرائيلية في يوليو 2006، وكذلك الصواريخ والقذائف الأكثر تقدماً الذي زود بها (حزب الله) حركة (حماس) خلال الهدنة التي دامت ستة أشهر مع إسرائيل. إن الدعم الإيراني واضح في جميع أنحاء لبنان، إذ يوجد لكل وزارة ودائرة إيرانية مكتب فرعي في بيروت. وبالإضافة إلى ذلك، تعمل العديد من المؤسسات التي تمولها طهران بشكل مستقل عن السيطرة الحكومية اللبنانية المباشرة، مثل (الهلال الأحمر الإيراني) و(لجنة آية الله خامنئي)، التي تركز على التعليم والدعاية، و(العالم)، وهي محطة تلفزيونية ناطقة باللغة العربية أسستها طهران في عام 2004 ويوجد لها مكاتب مجاورة للسفارة الإيرانية في بيروت. وتصل هذه المصالح الإيرانية في لبنان إلى ما هو أبعد من كونها مجرد عوامل عسكرية بحتة أو خطاب معادي لإسرائيل. فالدعم المالي الذي تقدمه طهران للعديد من المؤسسات الاجتماعية والخيرية اللبنانية كان له أثر كبير على شعبية (حزب الله).
واليوم، فقد أنجزت طهران جزئياً العديد من أهدافها الإقليمية. وفي حين فقد جيران إيران العرب تأثيرهم الإقليمي والدولي، ازداد نفوذ إيران، مما يجعل من المستحيل من الناحية العملية تجاهل الرغبات الإيرانية عند صياغة السياسات الإقليمية. ومن خلال مكانة إيران كمراقبة خاصة في اجتماعات (مجلس التعاون الخليجي) فضلاً عن الواقع العملي بأن إدارة الرئيس أوباما كانت قد أعلنت عن استعدادها للدخول معها في حوار، أصبحت إيران القوة العظمى الإقليمية الوحيدة في الشرق الأوسط. لقد وسعت الجمهورية الإسلامية بشكل كبير من نفوذها، ليس في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية فحسب، ولكن في أفغانستان أيضاً. فقد طورت تحالفاً وثيقاً مع سورية لضمان بقاء الصراع مع إسرائيل متقداً، ولكي يكون مصير أي مبادرات جادة لإحلال السلام في المستقبل المنظور هو الفشل».
ويختم نوريل: «في ضوء الصراع العربي الإسرائيلي الأوسع نطاقاً، يُنظر إلى الحرب في لبنان بأنها مجرد أحد الصراعات التي لم تنتهي في الشرق الأوسط. لكن حرب عام 2006 أوضحت نقطة مهمة، وهي أن الصراع لا يتعلق بصفة أساسية بالاحتلال أو المستوطنات الإسرائيلية، رغم أهمية هذه العوامل. لقد هاجم (حزب الله) إسرائيل مثلما فعل في مناسبات عدة منذ عام 2000 لأنه لم يستطع أن يتصور مستقبلاً تكون فيه إسرائيل في الوجود. ويدور الصراع حول محاولات (حزب الله) النشطة للحيلولة من دون قبول أي شكل من أشكال عملية السلام التي يُحتمل أن تنتهي باتفاق طويل الأجل مع إسرائيل.
إن لهذه النقطة أهمية إقليمية أيضاً. فإسرائيل و(حزب الله) لم يكونا الطرفين الوحيدين اللذين تصادما في صيف عام 2006. فقد كان هناك فاعلون إقليميون نشطون أيضاً، مثل إيران وسورية والمملكة العربية السعودية ومصر. وفي هذا الصدد، تعمقت التوترات التي تقوم بتفتيت المنطقة اليوم كتلك القائمة بين السنة والشيعة والعرب والإسرائيليين والإسلاميين والمعتدلين، ناهيك عن المجتمعات الطائفية في لبنان.
وهنا تكمن إحدى عواقب الحرب الأكثر مأسوية فـ (حزب الله) لا يزال يدعي أن حرب عام 2006 كانت نصراً للكفاح المسلح. وفي الواقع، تمثل الحرب انتصاراً للاعتقاد القائم بأنه ليست هناك حاجة لتقديم تنازلات أو الانخراط في عمليات سياسية معقدة تسفر عن نتائج غير مؤكدة، من أجل الحصول على النتائج (المنشودة). إن الأمر الذي يحقق فائدة مماثلة، وربما أفضل، هو هزيمة إسرائيل في ساحة المعركة وإرغامها على تقديم تنازلات. إذا كان هناك عدد كاف من الفاعلين العرب الآخرين الذين يتبنون هذا التحليل المُدمر للحرب، فسوف يتم وضع أساس لسلسلة جديدة من التصعيدات المسلحة والحروب الضيقة النطاق التي قد تستمر لأعوام عدة مقبلة».


غلاف الدراسة

جريدة الراي الكويتية 18 تشرين الثاني 2009

ليست هناك تعليقات: