ولد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان في الخامس والعشرين من هجرة الرسول صل
الله عليه وآله وسلم الشريفة ، والموافق لستمائة وأربعة وخمسين ميلادية ،
وتوفي بتاريخ الرابع والستين منها والموافق لستمائة وثلاثة وثمانون
ميلادية ، ولد في الماطرون ، ونشأ في دمشق ، وهو ابن معاوية بن أبي سفيان (لعنهما الله)، وقد حكم لمدة أربع
سنوات كانت مليئة بسفك الدماء والحزن والأسى ، بل تعد من الأكثر دمويةً
في التاريخ الإسلامي ، ولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة ستون هجرية ، وأمه
نصرانية تدعى ميسون بنت بحدل الكلبية[1] .
شخصية يزيد:
تربى يزيد في حجر أمه النصرانية ، وبين أخواله عند قومها النصارى ، وأشبع
بروح الإنحراف والعداء للإسلام ، وكان بعيدا كل البعد عن تعاليم الدين
الإسلامي والقيم الإسلامية ، ويمارس هواياته القبيحة بحرية تامة على مرأى
ومسمع المسلمين أين ما حل ، كاللهو الماجن ، واللعب الخليع ، وشرب
الخمور ، ومنادمة الفتيات والغناء ، وكان يلبس كلابه أساور الذهب
والحلي ، واشتهر بالمعازف والصيد واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب والدباب
والقرود ، وما من يوم يمر إلا وهو في نشوة السكر ، ولا يصبح إلا مخمورا ،
وأكد المؤرخون المحدثون بأن يزيد لا يملك الأهلية للخلافة ، وهو المجرم
الفاسق الذي ارتكب مذبحة كربلاء بأمره وبمتابعته خطوة بخطوة ، وبما أنه
صاحب هوى ، ويميل لدين أمه النصرانية ، فقد كان يضمر الحقد والضغينة
للإسلام وأهله ، ولا يعتقد به ، وفي أيامه أظهر الغناء بمكّة والمدينة ،
وفتحت الملاهي ، وأعلن الناس شرب الخمر.
بداية خلافته:
بعد هلاك معاوية بن أبي سفيان سنة ستون هجرية ، خلّف معاوية إبنه يزيدا
في منصب الخلافة ، وقد بويع له فى حياة أبيه ليكون وليّا للعهد من بعده ،
فتأكدت البيعة بعد هلاك والده فى النصف الثانى من رجب سنة ستين هجرية ،
واستمر فى منصبه إلى أن هلك في سنة أربع وستين عن عمر إحدى وأربعون
سنة... !
السنة الأولى من حكمه:
بدأت ولايته لعنة الله عليه بارتكاب أبشع وأقبح جرائم التاريخ البشري
بشكل عام ، والإسلامي بشكل خاص ، ففي سنته الأولى أمر بقتل سبط الرسول
وسيد شباب أهل الجنة ، وسبى نساءه وقتل عياله وشردهم وروعهم ، ومثل
بالأجساد الطاهرة شر تمثيل ، كما أمر قادته بأن يمثلوا بالأجساد تمثيلا
لا سابق له فداسوا صدر الحسين وأهل بيته بالخيول الأعوجيه [2] ، وقطعوا
الرؤوس ، ورفعوها إليه في عاصمته ، فحملت فوق الرماح ، يطاف بها من بلد
الى بلد ، مع أبناء وبنات الرسالة وآل الرسول ، وهم مقيدون بالحبال في
أعناقهم رجالا ونساء ، ابتداء من سيد الأشراف ورئيسهم الإمام زين
العابدين سلام الله عليه ، ومن النساء عقيلة الطالبيين زينب بنت أمير
المؤمنين عليه السلام إلى أصغر طفل من أطفال ذرية الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم ، وهذا ما لا يصنع مع الترك أو اليهود أو الذين لا دين لهم.
السنة الثانية:
وفي السنة الثانية أقدم على جريمة أخرى لا تقل بشاعة وضراوة عن مثيلتها
مع الإمام الحسين عليه السلام ، وهي واقعة الحرة ، وسميت بهذا الاسم نسبة
الى منطقة الحرة التي وقعت عليها الواقعة ، وهي منطقة قرب المدينة
المنورة ، لما أنكر أهل المدينة أفعال يزيد ، وموبقاته وكيفية قتل
الحسين وأهل بيته وأسر نساءه ، وفعله للمحرمات حتى وصل به الحال الى زنى
المحارم ، كما يقول بن سعد في طبقاته وابن الأثير في الكامل (ان عبد الله
ابن حنظله غسيل الملائكة خطب في أهل المدينة خطبه قال فيها (فو الله ما
أخرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ، أن رجلا ينكح
الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة ، والله لو لم يكن معي
احد من الناس لأبليت لله فيه بلاءا حسن) . فغضب يزيد من ذلك فأرسل جيشا
مؤلفا من ثلاثين ألف من أهل الشام وعليهم رأسهم مسلم بن عقبه ، وقد وصاه
وقال له (السيف السيف أجهز على جريحهم واقبل على مدبرهم وإياك أن تبقي
عليهم) ، فيقع ثلاثون ألف من أهل الشام مدججون بالأسلحة الكاملة في أهل
المدينة قتلا وذبحا ثلاثة أيام ، وخطب مسلم بن عقبه قائلا (هذه المدينة
لكم مباحة ثلاثة أيام دمائهم ونسائهم وأموالهم).
وقد ذكر المؤرخون أن عدد قتلى شهداء وقعة الحرة يومئذ من قريش والمهاجرين
والأنصار وأصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بلغ ألف وسبعمائة
قتيلا , ومن سائر الناس عشرة ألاف سوى النساء والصبيان ، وقد نقلو أيضا
صورة مروعة وفظيعة عن هذه الفاجعة ، فإليك ما نقل عن أبي معشر حين قال:
دخل رجلا من أهل الشام على امرأة نفساء من نساء الأنصار ومعها صبي لها
فقال لها : هل من مال ؟ قالت لا والله ما تركوا لي شيء فقال : والله
لتخرجين إلي شيئا أو أقتلنك وصبيك هذا فقالت ويحك انه ولد بن أبي كبش
الأنصاري صاحب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وقد بايعته يوم بيعة
الشجرة على أن لا ازني ولا اسرق ولا اقتل ولدي ...، فما آتيت شيئا فاتقي
الله ثم قالت بابنها يا بني والله لو كان عندي شيء لافتديتك به ، قال :
فاخذ الشامي برجل الصبي والثدي في فمه فجذبه من حجرها وضربه به الحائط
فانتثر دماغه على الأرض أمام أمه.
هذه هي أخلاق يزيد وأزلامه ، فعندما دخل القوم المدينة وجالت خيولهم
فيها ، أخذوا يقتلون وينهبون فما تركوا في المنازل من أثاث ولا حلي ولم
يتركوا فراشا الا نفضوا صوفه ، ولم يسلم منهم حتى الحمام والدجاج ،
فكانوا يذبحوهم لا لأكل ولكن فقط للرعب والنهب والسلب ، وهذا ابو سعيد
الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، يصور لنا المشهد عندما
دخلوا عليه نتفوا لحيته وضربوه ضربات ، ثم أخذوا كل ما وجدوا في بيته حتى
الصوف وحتى زوج الحمام الذي كان له ، بالرغم من انه عرف لهم نفسه ولكن لا
يعنيهم هذا ، والأفظع والأدهى من ذلك كله إباحة مسلم بن عقبه بأمر من
يزيد بن معاوية نساء وبنات المدينة المنورة بجيش الشام ثلاثة أيام
وكأنهن لسن مسلمات أو أنهن أسارى حرب غير المسلمين.
هذه الجريمة النكراء ارتكبت عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي
حرم النبي وحمى النبي فنادى مناد وهو اللعين مسلم بن عقبه في اهل الشام
(يا اهل الشام إن أميركم مسلم بن عقبه بأمر من أمير المؤمنين يزيد بن
معاوية أباح لكم هذه المدينة كلها ثلاثة أيام ومن زنى من امرأة فذلك
له) ، فوقع جيش الشام في الإعتداء والزنا بالمسلمات وفيهن بنات المهاجرين
والأنصار وفيهن ذوات الأزواج وفيهن الأبكار.... ، وكأنه لم يسمع عن هذا
الحديث (قال البخاري في صحيحه : حدثنا أبو النعمان ، حدثنا ثابت بن
يزيد ، حدثنا عاصم أبو عبد الرحمن الأحول ، عن أنس ، عن النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم- قال: (المدينة حرم من كذا إلى كذا ، لا يقطع شجرها ،
ولا يحدث فيها حدث ، من أحدث حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين )[3] ، ويزيد أحدث فيها أكبر وأخطر حدث فعليه اللعنة إلى قيام
يوم الدين.
السنة الثالثة:
وفي السنة الثالثة ، أي في عام 64 هـ أرسل جيشه الجرار لقمع ثورة عبد
الله بن الزبير في مكة ، فهجم عليه وكان محتميا بالكعبة ، فضرب الكعبة
المقدسة بأحجار ضخام ونار من المنجنيق حتى حطمها واحرقها ولم يبقى منها
سوى القاعدة ، وقتل خلقاً كثيراً من أهلها ، هتك بهذا الفعل حرمة وقداسة
الكعبة والدين.
مشروعية لعنه:
- أتفق المسلمون جميعا إلا ما نذر من النواصب ، على لعنة يزيد لعنة الله
عليه ، فهذا أحمد بن حنبل عندما سئل عن لعن يزيد ، قال: كيف لا يلعن من
لعنه الله في كتابه ، قال له ابنه صالح: وكيف لعن الله يزيد في
كتابه...؟ .، فقال: في قوله تعالى:﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ
أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ، أُولَٰئِكَ
الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ
أَبْصَارَهُمْ﴾ [4] ، وهل يكون فساداً أعظم من قتل الحسين ( عليه
السلام) وقد قال تعالى: ﴿إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في
الدنيا والآخرة﴾ ، وأي أذى أشد مما أدخله على محمد وآل محمد من قتل
الإمام الحسين الذي هو له ولابنته قرة عين ......! [5] .
- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لعن الله الخمر وشاربها ،
وساقيها، وبائعها ، ومبتاعها ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة
إليه ، وآكل ثمنها ، والتاريخ يشهد بأن يزيد أعلن شرب الخمر ، وصرح بفتح
الحانات للخمر ، وتعاطيها وشجع على عملها ، فتشمله اللعنة على فعله
الخبيث لعنة الله عليه.
- أفعالة تدل على ارتداده عن الإسلام وتكشف عن إلحاده بعد الإسلام إن كان
أسلم ، عمل على الاستهزاء بالدين بكل قبح علنا أمام الكل ، وعمل على
الاستهانة به وتوهينه ، وصرح بالقول الدال صريحا على جحد ما عُلم ثبوته
من نبوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، والبعث والنشور ، وأن الدين
أمر لا صحة له في نظره ، وكانت أشعاره التي يتبجح بها مثبتة لنكرانه
للغيب والرسالة ، ومعتبرة أن الرسول محمد جاء للملك ولم يأتي مبعوثا من
الله بهذا الدين الحنيف ، وهذه الأفعال دليل واضح على إلحاده وكفره
وانحرافه [6] ، وبعد مقتل الإمام الحسين أنشد أبيات عبد الله بن
الزبعرى:
لعبتْ هاشم بالملك iiفلا
ليت أشياخي ببدرٍ iiشهدوا
لأهلّوا واستهلّوا فرحاً
فجزيناهم ببدرٍ iiمثلها
لستُ من خندف إن لم iiأنتقم
خبرٌ جاء ولا وحيٌ iiنزل
جزع الخزرج من وقع الأسل
ولقالوا يا يزيد لا iiتشل
وأقمنا مثل بدرٍ iiفاعتدل
من بني أحمد ما كان فعل
- قال الباعوني: وذكر ابن القفطي في تاريخه قال: إنّ السبي لمّا ورد على
يزيد بن معاوية خرج لتلقّيه ، فلقي الأطفال والنساء من ذرّية علي والحسن
والحسين والرؤوس على أسنة الرماح ، وقد أشرفوا على ثنيّة العقاب ، فلمّا
رآهم أنشد:
لمّا بدتْ تلك الحمول iiوأشرقت
نعق الغراب فقلت قل أو لا iiتقل
تلك الرؤوس على رُبى جيرون
فقد اقتضيت من الرسول ديون
يعني بذلك أنّه قتل الإمام الحسين عليه السلام بثارات بدر ، فقد أخذ بثأر
جده عتبة وشيبه ومن مضى من أسلافه اللعناء ، وقائل مثل هذا بريء من
الإسلام ولا يُشكّ في كفره [7] . ولعنه لعنة الله عليه [8] .
قال ابن كثير أخطأ يزيد خطأ فاحشا في قوله لمسلم بن عقبة أن يبيح المدينة
ثلاثة أيام وهذا خطأ كبير فاحش مع ما أنضم إلى ذلك من قتل خلق من الصحابة
وأبنائهم وقد تقدم أنه قتل الحسين وأصحابه على يدي عبيد الله بن
زياد .... [9] .
في أربع سنوات فقط حكمها هذا الطاغية اللعين قام بكل وقاحة بهذه الجرائم
الوحشية التي يدمى لها الفؤاد ، والتي أوسمت التاريخ الإسلامي بالعار
والذل إلى يومنا هذا ، فلو حكم هذا اللعين أكثر..! فماذا يا تراه
يفعل..؟.
المتعمق في حياة هذا الفاجر اللعين يعلم ماذا سيؤول له الدين لو استمر في
الحكم فترة طويلة ، فخروج الإمام الحسين عليه السلام رحمة لبقاء الدين
حيا ، وأن نظرته عليه السلام أبعد بكثير وأوسع ، فدمائه الزكية سفكها
تطهيرا لبقاء الإسلام حيا طريا ، فقد كان هدف الخبيث اللعين يزيد هو محو
هوية الدين ، وكل ما يرمز إليه الدين ، والحسين عليه السلام هو الرمز
الممثل لهذا الخط الرسالي ، فالمقصود بقتله ليس شخص الحسين وإنما ضرب ما
يمثله الحسين ، وكان مخططا واضحا منه لهدم الدين بكل مقاييسه
واعتباراته ، لذا لم يسايره الحسين أو يبايعه كما فعل الإمام الحسن مع
معاوية لأن مبايعته تعني على الدين السلام.
وفاته لعنة الله عليه:
في نفس الوقت الذي كان جيشه ينتهك حرمة الكعبة ، كان لعنة الله عليه
يلاعب أحد قروده ، أراد أن يسقيه الخمر فأبى القرد ذلك ، وعضه عضة تسمم
على أثرها...! ، وأصابته الحمى فارتفعت حرارته وهلك على أثر ذلك إلى قعر
جهنم وبئس المصير ، فقضى أجله في السنة الرابعة من حكمه ، لعنة الله عليه
وعلى من تابعه وشايعه ، ويكفي ما قاله الحسن البصري مات فاسقاً فاجراً
كافراً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق